معايير "التحيز الأيديولوجي".. خطة ترامب للذكاء الاصطناعي تثير إنذارًا حقوقيًا
تهدف إلى ترسيخ "الهيمنة" لا حماية الملكية الفكرية
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وتساؤلات حقوقية عميقة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأربعاء ثلاثة أوامر تنفيذية جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد التنظيمي لصناعة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، مع تركيز لافت على تقييد النماذج "المتحيزة أيديولوجياً" وتسريع التنمية التكنولوجية.
تأتي هذه الإجراءات مصحوبة بخطة عمل شاملة للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى ترسيخ "الهيمنة العالمية" للولايات المتحدة في هذا المجال، ولكنها تثير مخاوف كبيرة بشأن حقوق الملكية الفكرية، والتحيز في الخوارزميات، وتأثيرها على البيئة وحقوق العمال.
تُعد حقوق الملكية الفكرية من أبرز النقاط التي أثارتها تصريحات وأوامر ترامب، حيث انتقد الرئيس بشدة جهود إنفاذ حقوق النشر ولوائح الذكاء الاصطناعي على مستوى الولايات، خلال قمة "الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي" التي استضافتها بودكاست "أوول إن" ومنتدى"هيل آند فالي" في واشنطن، صرح ترامب بأن إنفاذ حقوق النشر بشكل صارم "غير واقعي" بالنسبة لصناعة الذكاء الاصطناعي، ومن شأنه أن يعيق الشركات الأمريكية التي تسعى إلى المنافسة عالميًا، خاصةً ضد الصين.
وقال ترامب: "لا يُتوقع منك أن يكون لديك برنامج ذكاء اصطناعي ناجح عندما يُفترض بك أن تدفع ثمن كل مقال أو كتاب أو أي شيء آخر قرأته أو درسته. ببساطة، لا يمكنك فعل ذلك لأنه غير ممكن.. الصين لا تفعل ذلك"، وفقا لمذكرته صحيفة "بوليتيكو".
أثارت هذه التصريحات الدهشة، حيث لم تتطرق خطة عمل الذكاء الاصطناعي، المكونة من 28 صفحة، إلى حقوق النشر، وصرح مسؤولون في الإدارة للصحفيين بأن القضية ينبغي أن تُترك للمحاكم للبت فيها.
يُبرز هذا التضارب توجهاً واضحاً من جانب الإدارة نحو إعطاء الأولوية للابتكار والنمو الاقتصادي على حساب حماية الملكية الفكرية، مما قد يؤدي إلى تحديات قانونية كبيرة في المستقبل، خاصة مع تزايد استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لمجموعات ضخمة من البيانات المدربة التي قد تتضمن مواد محمية بحقوق النشر.
مكافحة "التحيز الأيديولوجي"
ووفقا لما ذكرته صحيفة "الغارديان" كانت أحد الأوامر التنفيذية الأكثر إثارة للجدل يستهدف ما وصفه البيت الأبيض بنماذج الذكاء الاصطناعي "الواعية"، فقد حث ترامب الوكالات الفيدرالية على عدم شراء خدمات "تُضحي بالصدق والدقة من أجل أجندات أيديولوجية"، مستشهداً بحالات زُعم فيها أن روبوتات الدردشة قد شوّهت الحقائق لتلبية سياسات التنوع والمساواة والشمول.
ومن جانبها قالت "فايننشيال تايمز" أن ترامب تعهد بأن الحكومة الأمريكية ستتعامل الآن "فقط مع الذكاء الاصطناعي الذي يسعى إلى الحقيقة والإنصاف والنزاهة التامة".
يُلزم هذا الأمر الجديد أي شركة ذكاء اصطناعي تتلقى تمويلاً فيدرالياً بالحفاظ على نماذج ذكاء اصطناعي محايدة سياسياً خالية من "العقائد الأيديولوجية مثل التنوع والإنصاف والشمول".
ورغم أن التوجيه يُشدد على أن الحكومة الفيدرالية "يجب أن تتردد في تنظيم وظائف نماذج الذكاء الاصطناعي في السوق الخاصة"، إلا أنه يُؤكد أن المشتريات العامة تحمل "التزامًا بعدم شراء نماذج تُضحي بالصدق والدقة من أجل أجندات أيديولوجية".
أثارت هذه المعايير جدلاً واسعاً، حيث يرى منتقدون أن تحديد ما يجعل نموذج الذكاء الاصطناعي "متحيزاً سياسياً" قابل للتأويل، وقد يسمح للإدارة باستخدام الأمر لاستهداف الشركات وفقاً لتقديرها، كما ذكرت صحيفة "الغارديان".
وقد أثار نائب رئيس السياسات في مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، سمير جين، مخاوف بشأن منح الحكومة سلطة فحص أي تحيز مُتصور، وقال لصحيفة "فايننشيال تايمز": "لا ينبغي للحكومة أن تتصرف كوزارة لحقيقة الذكاء الاصطناعي أو أن تُصرّ على أن تلتزم نماذج الذكاء الاصطناعي بتفسيرها المُفضّل للواقع".
حملة ترامب لمكافحة التنوع
وأشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى أن هذه الخطوة تُعد جزءاً من حملة إدارة ترامب الأوسع نطاقاً لمكافحة التنوع، والتي استهدفت أيضاً الوكالات الفيدرالية والمؤسسات الأكاديمية والجيش.
وقد اتهم حلفاء ترامب السياسيون نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل"شات جي بي تى"من"أوبن أيه أي" و "جيميناي" من "جوجل"، بالترويج للأيديولوجية الليبرالية، وفي المقابل، تعرض روبوت الدردشة "جروك" التابع لإيلون ماسك، الذي يُزعم أنه "مضاد للوعي"، لانتقادات شديدة لتقديمه إجابات تحتوي على عبارات معادية للسامية وإشادته بأدولف هتلر، بالإضافة إلى ترويجه لنظريات المؤامرة العنصرية.
على الرغم من ذلك، كانت "إكس أيه أي" ، الشركة المطورة لـ "جروك"، من بين العديد من شركات الذكاء الاصطناعي التي فازت بعقود فيدرالية مربحة من وزارة الدفاع.
الضمانات البيئية وحقوق العمال
إلى جانب التركيز على التحيز، تضمنت الأوامر التنفيذية تسريع إصدار التصاريح الفيدرالية للبنية التحتية لمراكز البيانات وتعزيز تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية، حيث ويدعو أحد الأوامر إلى تحرير تطوير الذكاء الاصطناعي وزيادة بناء مراكز البيانات، وإزالة الحماية البيئية التي قد تعيق بنائها.
تتطلب مراكز البيانات التي تضم خوادم نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من المياه والطاقة، وتُنتج انبعاثات غازات دفيئة، وقد حذّرت جماعات حماية البيئة من الزيادات الضارة في تلوث الهواء والضوضاء، بينما عارضت عدد من المجتمعات المحلية بناءها.
واقترحت ورقة سياسة أصدرها البيت الأبيض منع الولايات التي تفرض "لوائح مُرهِقة للذكاء الاصطناعي" من تلقي تمويل فيدرالي لمشاريع الذكاء الاصطناعي، في إشارة واضحة إلى محاولات ولايات مثل نيويورك لمراقبة التكنولوجيا، هذه الخطوات تُبرز توجهاً نحو تقليص الرقابة التنظيمية على صناعة الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى تداعيات بيئية واجتماعية غير محسوبة.
في هذا السياق، كشف منتقدو نهج إدارة ترامب عن "خطة عمل شعبية للذكاء الاصطناعي"، وقّعت عليها أكثر من 80 جماعة عمالية وبيئية وحقوق مدنية وغيرها.
وصفت هذه الجماعات سياسة إدارة ترامب للذكاء الاصطناعي بأنها "منحة ضخمة لصناعة التكنولوجيا"، ودعت إلى إعطاء الأولوية لمصالح الأمريكيين العاديين على مصالح شركات الذكاء الاصطناعي، وفقا لـ"واشنطن بوست".
وصرحتالمديرة التنفيذية المشاركة لمعهد "إيه آي ناو"، الذي ساعد في تنظيم البيان سارة مايرز ويست: "إن طرح هذه التقنية يؤدي إلى انخفاض الأجور، ويقلل من قيمة عملنا، ويضر ببيئتنا، ويؤثر على صحة المجتمع".
تُعد هذه الأوامر جزءًا من خطة أوسع نطاقًا لضمان الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي في ظل المنافسة مع الصين، فقد أكد ترامب على ضرورة استخدام الحلفاء للرقائق الأمريكية
وتضمنت الخطة توجيهاً لوزارة التجارة ووزير الخارجية ومكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا لإنشاء "برنامج أمريكي لتصدير الذكاء الاصطناعي" بهدف دعم المبيعات الخارجية للأجهزة ونماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
منافسة على الهيمنة الجيوسياسية
يُصور ترامب سباق الذكاء الاصطناعي على أنه منافسة على الهيمنة الجيوسياسية، قائلاً: "سيكون الفوز في هذه المسابقة اختبارًا لقدراتنا لم نشهده منذ فجر عصر الفضاء"، ومع ذلك، فإن هذا السباق المحموم نحو الهيمنة التكنولوجية يثير مخاوف جدية بشأن توازن المصالح بين الابتكار، والضمانات الحقوقية، والمسؤولية الاجتماعية.
وتعكس الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس ترامب وخطة عمل الذكاء الاصطناعي رؤية تركز بشكل كبير على تسريع الابتكار والنمو الاقتصادي، مدفوعة بالمنافسة الجيوسياسية مع الصين، ومع ذلك، فإن هذا النهج يأتي على حساب معالجة قضايا حقوقية حساسة مثل حقوق الملكية الفكرية، والتحيز في نماذج الذكاء الاصطناعي، والتداعيات البيئية والاجتماعية لتوسع هذه الصناعة، يرى المنتقدون أن هذه الإجراءات قد تُفضي إلى تهميش حماية الحقوق الأساسية لصالح مصالح الشركات التكنولوجية الكبرى.